اخر الاخبار

آخر الأخبار

{ موت الياسمين }.. كتبت: أ. فوزيةالكوراني بقلمها



في صقيع لياليه الباردة، ضاجت روحه من وحدته...
قلب صفحات الشاشة الزرقاء( الإنترنت)  لفت انتباهه صفحة إسم صاحبتها (أمل الياسمين)؛ بدأ يتصفح المنشورات استشعر من أن صاحبتها تملك حسًا مرهفًا
لزايارتها المتكررة لدور الأيتام والجمعيات الخيرية  وأصحاب الحاجات الخاصة ( المعوقين) كانت صورها مع الأطفال توحي بحنان الأم الرؤوم، مقالاتها الصحفية أشعارها كل شيئ يوحي أنها امرأة فوق الخيال.
كانت إمرأة في العقد الثالث من عمرها، غير أن مابداخلها طفا على وجهها فمن يراها يعتقد أنها لم تبلغ العشرين.
طلب صداقتها بإسم مستعار  وحساب جديد:
وافقت فورا على الطلب وكأنها كانت تنتظره!
دار الحديث بينهما  وكأنهما على معرفة سابقة منذ زمن
لم تسأله من هو؟ رغم  أن إسمه في الحساب  (غيمة داكنة)!... ولا أي شيء تستشف منه شخصيته الحقيقية وكأنها تريده هكذا نجمة في ليلها الطويل ...
بل بدأت  تتكلم عن نفسها؛ هي في  الثانية والثلاثين من عمرها، أرملة توفى زوجها بمرض عضال في عامهم الثاني من الزواج لم تنجب أولادًا تعيش مع والديّها
لها أربع إخوة من الذكور كلهم أكبر منها، تحب الأطفال
تحاول إفراغ أمومتها بأطفال اليتامى والمعاقين تقضي أغلب اوقاتها معهم... بحسب عملها في إدارة الجمعيات بالإضافة لعملها كصحفية في إحدى المجلات؛  تبحث عن همومهم ومشاكلهم وتساعدهم...
أُعجب بها بحيوتها بنشاطها بكل تفاصيلها...
لم يطلب أن يشاهدها على أرض الواقع وهي أيضًا عنفوان المرأة منعها من الطلب.
كان الليل يجمعهما من خلف الشاشة...
لكن هو كان كل يوم يراقبها من بعيد يحضر كل فعالية تقوم بها، وكل ماتشرح له عن أي عائق  تمر به من أجل  الجمعيات يهتم به ويذلل صعابه دون أن تعلم...
كان يتبرع  بكراسي متحركة وألعاب للأطفال وألبسة
وكانت دومًا تتكلم أمامه عن هذا المتبرع الكريم الذي يذلل كل الصعاب أمام الأطفال والمعوقين ولا يظهر نفسه ولا أحد يعلم من هو،
كان يعطيها تفاصيل يومها بكل حذافيره
 هي تضحك وتقول له كأنك لابس ( القبعة الخفية) وهو يعلل ذلك أنه بروحه يكون معها... لم تكن تعلم أنه الحارث الامين منذ أن  تخرج في الصباح من المنزل إلى أن تعود إليه.  وهو يحيطها بنظراته من بعيد من خلف زجاج سيارته
كانت كل صباح تجد على حلقة الباب طوق من الياسمين:
هي تعلم أنه منه، لكن لاتحاول أن تتصيده وهو يضعه فقط تضع على حلقة الباب  ورقة فيها قصيده كلام تبوح فيها عن مشاعرها وأحاسيسها تجاهه... في المساء يكون لقاؤهما خلف الشاشة ويكون حديثهما كأي اثنين أصدقاء، لا  هي تقول له عن طوق الياسمين وأنها تشعر عندما تراه أنها أنثى ويوقظ مشاعر دفينه بداخلها... ولا هو يقول لها أن قصائدها واشعارها تبث فيه روح الحياة
وتسقي روحه الظمأى...
كانت تسأله عن تفاصيل حياته  ماذا يحب من الألوان العطور اللباس الطعام... إلى أن فاجأته في إحدى الليالي  برسم له يشبهه إلى حدٍ كبير، بعثته له على حسابه! ذهل منها قالت كنت أرسمك من خلال تحليل شخصيتك وماتحب من وماتكره و ماتلبس وماتأكل... في تلك الليلة بلغت العواطف أوجها فطلبت منه أن تراه على أرض الواقع؛ رفض بشدة وقال أنه غير مستعد لهذا اللقاء يخشى أن يفقدها هو رجل في الستين من عمره وشكله غير جميل إلى آخر الأشياء التي تَوهم أنها تُنفرها منه، لكنها ازدادت اصرارا على اللقاء وهو ازداد اصرارا على الرفض، وعندما قال لها أنها ممكن تخسر صداقته اذا عاودت الطلب تراجعت؛  
واكتفت بهذه الصداقة من خلف الشاشة وطوق الياسمين الذي يسقي روحها ويرضي الأنثى فيها...
في يوم الأحتفاء بالطفل اليتيم طلبت منها إدارة الجمعية أن تغطي الحفل صحفيًا وخاصةً أنه سيحضر الحفل الثري الكبير الذي يتبرع كثيرا لكافة الجمعيات
دون أن يُعرف عن نفسه لكن في هذا العام سيأتي ويجتمع بالأطفال لأن كما قال طبيبه الخاص أنه
في آخر أيامه بعد مشيئة الله؛  بسبب الفشل الكلوي الذي يعاني منه منذ سنين.
بعد أن ألقت كلمتها الترحيبية المديرة المسؤولة عن دور الأيتام والجمعيات وشرحت خلالها عن الأيادي البيضاء
التي تعمل في الخفاء لإسعاد تلك الأرواح  البريئة ومن بينهم الثري الشاب صاحب الفضل الأكبر قائلةً: فليتفضل مشكورًا.
كانت تنظر إلى المسرح بشغف؛ لكنها فجأة اشتمت رائحة من خلفها التفتت فإذا بشاب جالس على كرسي مدولب يجره خادمه ويحمل بين يده  طوق من الياسمين! تجمد الدم في عروقها وهو يمر من جانبها
ويصعد به خادمه إلى المسرح.
بعد أن ألقى كلمته عن الجمعية وعن كل انسان ودوره في هذه الحياة: رفع طوق الياسمين قائلًا: إلى صاحبة الطوق؛ ربما عز لقاؤنا في هذه الحياة...  فلتعلمي أنك وهبتني حياة جميلة سأخذ أطلالها معي إلى دار الآخرة ربما يكتب لنا اللقاء فيها.
وقبل أن ينزل من المسرح هرعت إليه  جلست عند قدميه تبكي بنحيب وتقول بل ستشفى ونعيشها هنا وهناك.

 /سوريا

ليست هناك تعليقات

مرحبا بكم في الموقع الإعلامي للمنتدى الثقافي الدولي شكرا لتواصلكم معنا ولمشاركتكم الفاعلة
Welcome to the media site of the International Cultural Forum. Thank you for contacting us and for your active participation