اخر الاخبار

آخر الأخبار

الفقر.. كتب: د. عز الدين حسين بقلمه






قصة قصيرة ...

وقف بالقرب من إشارة المرور وبجانبه عربته الخشبية التي يستخدمها في عمله في نقل البضائع التي يشتريها الناس لإيصالها إلى بيوتهم مقابل مبالغ زهيدة ؛ وقف ينتظر تغيرها من اللون الأحمر إلى اللون الأخضر الذي يسمح بالمرور ؛ كان يتأمل وينظر لجميع من مر به من مختلف المستويات الاجتماعية، فترتسم على وجهه علامات مختلفة يملؤها الأمل أحياناً ، ويوشحها الألم أحياناً أخرى، خاصة عندما يمر به الأغنياء وهم يقودون سياراتهم الفارهة  فيصمت ويأخذه تفكيره نحو حالة الفقر التي يعيشها هو وزوجته وأبناؤه وكيف يعانون من شُح مستلزمات أبسط الأمور الحياتية من مأكل وملبس وغيرها ، وينظر إلى عربته الخشبية ويغازلها بكلمات يملؤها الأمل بحياة أفضل وهو يخاطبها ويقول لها ، والله إنك يا عربتي حبيبتي و إني باحبك أكثر من لو كنتِ سيارة مرسيدس  .
تبدلت إشارة المرور عدة مرات ولكن فيصل ظل واقفاً مكانه ولم يتحرك وهو شارد التفكير وهو يتأمل العديد من السيارات المتخصصة  بنقل الخبز من الأفران وغيرها المختصة بنقل البضائع المختلفة من الأسواق، فيمر من أمام تفكيره أطفاله وهم يرتدون الملابس القديمة البالية  يبحثون عن أي شيء يأكلونه فلا يجدون سوى بعض الفتات الذي يقومون بجمعه منذ الفجر من أمام أبواب بيوت الأغنياء والذين يلقونه بأكياس بلاستيكية أمام أبواب منازلهم  ؛ فذرفت عيناه دموع يملؤها حزن دفين ووجع يعتصر قلبه ويلوم نفسه كيف ترك طفلته المريضة ساعياً لتأمين بعض النقود لشراء الدواء لها ويسأل نفسه، كيف يا ترى هي الآن، فيقرر العودة للبيت ليطمئن عليها ، تم يتراجع عن قراره هذا لأنه لم يتمكن من كسب الدراهم التي تمكنه من شراء الدواء لها.
لم يُدرك فيصل بأنه لا زال يقف في مكانه ينتظر تغير إشارة المرور إلى اللون الأخضر لتسمح له بالمرور  ولم يدرك بأن الإشارة تبدلت وتغيرت العديد من المرات ، إلى أن سمع صوت شرطي المرور يأمره بالتحرك والمرور لإفساح الطريق لمرور موكب أحد المسؤولين، فما كان منه إلا أن تجاهل أمر الشرطيّ رغبة منه لإشباع فضوله ونظره بمشاهدة موكب المسؤول ظناً منه بأنه سيكون عادياً لا يتجاوز عدد سياراته عدد أصابع اليد الواحدة .
أوقف شرطي المرور حركة السير تماماً بعد أن أوقف إشارات المرور وأمر الجميع بإخلاء الشارع لتأمين السلامة وسهولة الحركة أمام سيارات موكب المسؤول والذي مر بسرعة فائقة ؛ ظل فيصل مكانه محاولاً النظر إلى جميع سيارات الموكب عله يشبع نظره بمشاهدة المسؤول  ولكنه لم يتمكن من ذلك بسبب أن جميع زجاج شبابيك سيارات الموكب قد تم تعتيمها حتى يصعب على الناس مشاهدة  من بداخلها.
ضحك فيصل بسخرية وهو يتذكر أبواب بيته وشبابيك الغرفة الوحيدة والتي يعيش فيها هو وزوجته وستة من أبنائه وبناته  وكيف أنها لا تقيهم برد الشتاء ثم نظر إلى عربته الخشبية وهو يخاطبها ويقول  : والله أنك أجمل من كل سيارات الموكب يكفي أنك مصدر رزقي وأهم عندي من كل مسؤول.

 أبو صفية،،،

ليست هناك تعليقات

مرحبا بكم في الموقع الإعلامي للمنتدى الثقافي الدولي شكرا لتواصلكم معنا ولمشاركتكم الفاعلة
Welcome to the media site of the International Cultural Forum. Thank you for contacting us and for your active participation