المشهد الأخير… كتبت: فوزية الكوراني بقلمها
نظر سامر إلى المرآة طويلا ووجهه يقطر حزنا، دار عجلات كرسيه المتحرك بحركات دائرية وكأنه يفتش عن شيئا ما، أخذ كأس الماء من على الطاولة وعاد ينظر إلى المرآة وصوته يردد فلتذهب إلى الجحيم ورماها بالكأس فتهشمت وأخرج مسدسا من جيبة ووضعه في صدغة ؛ تمام تمام أحسنت قالها المخرج وصعد إلى خشبة المسرح يقول أحسنت دكتور سامر أنت فنان عظيم إنتهت البروفات والعرض بإذن الله الاسبوع القادم، والآن دعني أوصلك إلى المنزل، كان سامر ساهما غير مركز بما يقول صديقه المخرج ولم يدري بنفسه إلا وهو داخل السيارة وصديقة يشعل له السيجارة قائلا مابك ياصديقي وكأنك مت فعلا بتلك الرصاصات الخلابية ضحك سامر ضحكات تشبه الأستهزاء وقال الا تريد مشهدا يقنع الجمهور وها أنا أعطيك إياه!،
ولد سامر في أسرة استقراطية ذات نسب عريق ومال وفير... والده محامي مشهور وقدير ووالدته طبيبة أطفال، وكان ثالث إخوته واصغرهم وأخذ حظه من الدلال من كل العائلة درس معهد العالي للفنون المسرحية وكانت هذه رغبته لم يعارضه عليها أحد وبعد أن تخرج من المعهد ذهب بعثة إلى روسيا ليحصل على الدكتوراه في الإخراج بالإضافة إلى أنه ممثل بارع، بعد ثمانية أعوام عاد الى بلده وأصبح مدرساً في المعهد بالإضافة إلى الإخراج المسرحي وقام بتمثيل أدوار عديدة واشتهر كثيرا وكان محبوب من الجميع، تزوج من إحدى طالباته بعد قصة حب جميلة وأنجبت له ولدين وكانت حياتهم سعيدة جدا وكانت زوجتة بدأت تعمل بالتمثيل معه، إلى أن حدثت الكارثة الكبرى؛
في إحدى الليالي كان هو وزوجته وطلفليهما عائدين الى المنزل: تعرضو لهم ثلاثة شبان مسلحين طلبو منه أن ينزل من السيارة هو وأولاده ويترك لهم زوجته طبعا لم يوافق عرض عليهم المال والسيارة لم يوافقوا وكانت زوجته تصرخ من أجل سلامة أولادها أن يتركها لمصيرها ويذهب بعد جدال عقيم معهم عرف أن المعركة ليست لمصلحته انقاد لكلام زوجته أخذ الأولاد وترك لهم زوجته والسيارة وقبل أن يغادروا فتحوا من شباك السيارة النار عليه وعلى الأطفال خيم على طفليه ليحميهم جاء الرصاص على ظهره،
فتح عينيه وهو بالمشفى بعد غيبوبه دامت ثلاثة أشهر وهو مذهول لايعرف أين هو وماذا جرى ؟ فقط يردد سامحيني أنا جبان!...
عرف بعد ذلك أن سيارة اسعفته وهوغائب عن الوعي والأولاد يبكون لكنهم بصحة جيدة هو حماهم وكان إصابته بليغة جدا أثرت على النخاع الشوكي والعمود الفقري فقد أصيب بشلل نصفي، وزوجته وجدوها في أحد الشوارع بعد اسبوع بين الحياة والموت تعرضت لأغتصاب وحشي والسيارة محروقة، انقسمت عائلتهم إلى نصفين ؛ منهم من يقول أن ماكان عليه أن يتركها حتى ولو ماتوا جميعا، ومنهم من يقول أن تصرفه كان صحيحا لأن بكل الأحوال كانوا المسلحين سيقتلوه هو والأولاد ويخطفوا الزوجة، لكن موقف زوجته كان سليماً إيجابياً تجاه زوجها وكانت تحمل له كل الود والوفاء هي الوحيدة التي كانت تقدر ما فعله زوجها وكيف حاول إنقاذها ولكن كانت القوة والسلاح أكبر منه ولأنه حما الأولاد وفداهم بنفسه وماتعرضت له كان سيحصل ولو قتلوا الأولاد والزوج هي لن تنجو من شرهم الآن من يبرد نارها أن أولادها بسلام، كانت تأتي كل يوم بصحبة طفليهما إلى المشفى وتجلس عنده بالساعات وتساعد الممرضين في تغير ملابسه ورعايته، وتعاونت مع والده والشرطة في القبض على الجناة وكان لهم سوابق كثيرة تهريب وقتل واغتصاب،
خرج سامر من المشفى محطما نفسياً وجسديا وكانت زوجته أيضا محطمة نفسياً لكنها تقاوم والمجتمع لايرحم، أصبح سامر مزاجيا منعزلا عن الناس حتى عن أسرته وأولاده
كان لايستطيع النظر بعين زوجته والكلام بينهم قليل جدا كان يحمل نفسه ذنب اغتصابها رغم أنها كانت لاتشعره بذلك، بعد عام توصل معها إلى قرار لمصلحة الأولاد؟ وهو أن تسافر بهم إلى روسيا وتعيش هناك لأن لهم منزلا إلى أن يكبروا الأولاد وتمحى من ذاكرتهم تلك الفاجعة...
وافقت زوجته على أمل أن يلحق بهم بعد ينهي التزاماته ويبيع أملاكه،
لكن سامر لم يكن جادا كان في قرار نفسه أنه يبعد عنهم من أجل الأولاد لايريد أن يشاهدوا ضعفه وأيضا بوجوده بينهم لن تمحى من الذاكرة تلك الحادثة...
وعاش فترة منعزلا عن الناس، واستطاع بعدها أصدقائه أن يخرجوه من عزلته استقال من المعهد وتفرغ للإخراج رغم عجزه لكن كان يعمل من أجل أولاده، من أجل أن يعيشوا حياة كريمة في الغربة...
وهكذا مرت خمسة أعوام إلى أن جاء إليه صديقه المقرب إليه جدا وهو من كان يعمل معه مساعد وعرض عليه التمثيل في هذه المسرحية على أن دور البطل الأول فيها مقعد والدور جميل جدا قرأ سامر المسرحية أعجبته لأن احداثها شبيه من الأحداث الأخيرة التي مرت عليه، في يوم العرض اكتظ المسرح، وقد نفذت البطاقات قبل العرض بأسبوع الكل يريد أن يشاهد الدكتور سامر المخرج الكبير وهو يمثل على كرسيه وهو مقعد...
كان التصفيق الحاد في كل مشهد يمثله حضر المسرحيه والداه وأقرباءه وكل محبينه، وهو على المسرح كان يشاهد دموعهم وتعابير وجوههم المختلطة بين الفرحة وبين الشفقة،
وفي المشهد الأخير ، بعد أن هشم المرآة بكأس الماء ،وضع المسدس في صدغة وقال كلمته الأخيرة تباً لك فلتذهب للجحيم؛ وأطلق الرصاص لكن هذه المرة لم تكن خلابية!!
واُسدلت الستارة عن حياته...
ليست هناك تعليقات
مرحبا بكم في الموقع الإعلامي للمنتدى الثقافي الدولي شكرا لتواصلكم معنا ولمشاركتكم الفاعلة
Welcome to the media site of the International Cultural Forum. Thank you for contacting us and for your active participation