اخر الاخبار

آخر الأخبار

عَزِيَمة.. كتبت: روشن سامي





أتم علي السابعة عشرة من عمرهِ ،لم يحتفلْ بعيد ميلادهِ قطُّ .
صعب على شخص أُمَّيّ أن يدقق في التواريخ ، دائما ينسى يوم مولده ،وحين يَنِوي الإحتفال به يذهب إلى الدكان الموجود في نهاية الزقاق ليشتري شطيرة  من الفلافل وقطعة حلوى إِجْتَّمَع فوقه كل ذباب الحي ..
من المؤسف أن لايدرك المرءقِيمةُ ما يَمْلك   ،يَعِيشُ دوم تخطيط لمستقبله ،بلا هدف أو طموح .يولد ويموت دون أن يُذكر .كأنه سَحابة مرت دون أن تَمطّر.

داخل المرآب ومن مدخلِهِ نحو باب الجامعة خطوات يخطوها علي وهو يحمل صندوقا مثٌَبتا على عَضُد يديه ،بصوت أخْشَوشَنَ ينادي على بِضاعته ويُرَوٌجِ لَهَا (علك ..بسكويت ).
تارةً يتحرك بهداوة وتارةً أخرى يسرع خلف الناس راجيا مُتوسَّلا ...
يحاول أصطياد الزبون ،أنه يعمل منذ سبعة أعوام ، مرةً يركصُ خلف النساء اللائي يصطحبن أولادهن ،لعل أحداهنَ تلين  إلى توسلات أبنها ،فتشري له قطعة من البسكويت أو العلك ،ومرة يركض خلف تلك الفتية المصاحبين للفتيات المتعطرات ليُحرِجّ أحدهم ،فيضطرّ  لشراء بعض قطع العلك كي يتخلص من مطاردته .
علي يحفظ وجوه بعض الماَرَّةَ ،منذ أكثر من ثلاثةِ أعوام وفي كل يوم تقريبا ،ينتظر مرور رجل أنيق يرتدي الملابس ذاتها دون أن تتهرأَ أو تتسخ ! يرافقهُ أبنه الذي ربما يبلغ الرابعة عشر ،يسران جنبا إلى جنب وكأنها صديقان ؛يتكلم مع أبيه بصوت منخفض ،يحدثه عن واجباته المدرسية .
في أغلب الأحيان يحاول أن يتَّصنت عليهما ،يقف خلفهما وهما ينتظران الباص الذي يقلهم ؛غير آبه لزبونٍ ينوي شراء كل مافي صندوقهِ .

طوال أكثر من عامين وهو يحاول أن يبيع قطعة علك واحدة لسيدة تبلغ ربما الثلاثين من عمرها ،طويلة القامة تحمل حقيبة كبيرة ،يَظُنّ علي أنها تحوي على نقود كثيرة .
تزجرَهُ مستأةً من ملاحقته ،أُغرب عن وجهي ؛أنت تكسب أضعاف ما أتَقَاضَى .
كل العبارات الجارحة التي يسمعها وتعود على سماعها ، لاتؤلمه  مثلما تؤلمه عبارة انت تكسب الكثير من المال ؟
تلك الكلمات تمزق قلبه وتهوي به من جبلٍ عال نحو وادٍ سحيق ،يتوارى عن الأنظار ؛يجلس مُتَّكأَ إلى  أقرب حائط ،مطأطأّ رأسه بين فخذيه ،لدقائق عدة يبكي ثم يكفكف دمعه  كي لايراه أحد فيَظُنّ به ظن السُّوء؟
يناجي نفسه قائلاً تظن أني أكسب الكثير ،ألم تلاحظ ثيابي الرثة ،حذائي الممزق ،رائحتي النتنه ،انا لم أستحم منذ أسبوعين .
ليتها تعرف أين أسكن؟ سقفُ من جذع النخل مرفوع بالصفائح ،لاأعرف كيف أصفه ؟أهو بيت يليق بالبشر أم هو حجر ؟
عندما أنهي عملي أقطع ثلاث ساعات لأصل إلى بيتنا ،منهك القوى خائرا أغط في نوم  عميق في  فراشي الرث ؛متناسيا مالي في هذه الدنيا ،كل ما أتذكره هو أني لم أشاهد أفلام الكارتون منذ وقت طويل .
بعد أن يفرغ ما في رأسه ،يرجع إلى عمله ،وينادي بصوت مبحوح ...علك .. بسكويت .
في المرآب رجلُ عجوزُ فظ حاد الطبع، يحاول الجميع تجنبه ،يبع المناديل الورقية ، لايلقي التحية على أحد ولم يتبادل الحديث مع أحدهم قط .
لرغبةٍ في نفس علي ،ألقى التحية عليه ،متسائلا إذ كان بحاجة إلى مساعدةٍ ،نهره الرجل قائلا أهتم بنفسك ولاتتدخل في شؤون الآخرين ؛تركه علي وألتفت عائدا إلى موقعه ،ناداه الرجل العجوز قائلا ،ماذا تترجى من رجل يبلغ الخمسين من عمره يبيع المناديل الورقية ؟
أن يكون في قمة السعادة مثلا ،ثم نصحه قائلا المال الذي تكسبه اليوم لن يكفيك عندما تبلغ الخمسين ،أبحث عن عمل أخر .
.
لم يحَّمل علي نصيحة الرجل مَحْمَلِ ألجِدٌِ ،فمُتَعَارَفُ عَلَيْهِ أن نصيحةً كهذه ،لاتعني شيء سوى أزاحتك من مكان عملك لغرض الأستيلاء عَلَيْهِ..
اقترَبَتْ الساعة من الثانية عشرة ظهرا ولم يتوقف المطر ،يقفُ علي تحت مظلة وهو يرتجف من ملابسه المبللة ،يتعلثم وهو ينادي ..علك ...بسكويت ...الناس يركضون دون أن يأبهوا لعلي وأمثاله .
في تلك الأثناء وصل الرجل وأبنه ،تحت المظلة وهما ينتظران الباص ،كان الرجل يحتظن أبنه ويحاول تدفئته ،أنتبه الولد لوجود علي خلفهم ،تأججت مشاعره وهو يراه يرتجف ،طلب من والده أن يساعد علي ،لم يعرف الرجل ما يفعل ،نزع سُتْرتهُ وأعطاه لعلي ،كان علي ينظر إلى الرجل وأبنه بنظرة تملئها الغيرة ،اما الفتى فكان متعاطفاَ مع علي متسائلا ،ماذا يكون مصيره في المستقبل ؟
كان والد الفتى تربويا ناجحاً متفانياً في عمله نهض من مكانه ووقف بجانب علي يرتب على كتفهِ ،محدثا أبنه ،لا تسْتِه‍ِنْ  بهذا البطل أو تَسْتَخفّ  به  يوما ما ،تَمَعَّنَ إلى هذا الفتى الشجاع وأنظر  كيف يكسب قوته ،لن يمر وقت قصير إلى وتراه يستأجر أرضا (بسطية) ،ليوسع من عمله الشاق ؛ وبعدها تراه يستأجر دكاناً من ذلك الزقاق ،التف الولدان إلى ما أشر عليه الرجل ل وهما منجذبان لحديثه  ،وكانه يروي حلماً حقيقياً ..
ربما لم يكن الرجل في مدحه صادقاً إلى حدٍما ،بل كانت نظرة الغيرة أو الحسد التي تشع من عيني علي تخيفه كأب يعشق ابنه عشقا.
أما علي فجاهد ليل نهار كي يحقق نبوءة ذلك الرجل ،بعد عام واحد أستأجر قطعة أرض ونوع من بضاعته ،ومثلما قال الرجل ،بعد ثلاث اعوام أستأجر دكانا ،نَظِر وجهه الشاحب ،بَطِن .
أستأجر بيتا نظيفاً ،أما الفتى فقد التحق بالجامعة كانا يشبهان الاصدقاء ،لم يتوقفا عن المضي في تحقيق أحلامهما
 /العراق

ليست هناك تعليقات

مرحبا بكم في الموقع الإعلامي للمنتدى الثقافي الدولي شكرا لتواصلكم معنا ولمشاركتكم الفاعلة
Welcome to the media site of the International Cultural Forum. Thank you for contacting us and for your active participation