اخر الاخبار

آخر الأخبار

برّ .. كتبت: فادية حسون بقلمها



كان عبد الله يقود سيارته بسرعة جنونية... ونظره يتناوب بقلق وتوتر بين الطريق أمامه..وبين أمه العجوز الستينية التي تحتضر بجواره ..  كان يتلمّس جبينها كل لحظة وتلتهب كفّه من فرط حرارتها التي أجّجها مرض الكورونا اللعين ..  صورٌ كثيرة كانت تتزاحم في مخيلته عن أمه التي كانت ترافقه في كل مراحل حياته منذ نعومة أظفاره وحتى اللحظة..  كمادات الماء البارد التي كانت تضعها على جبينه حين يصاب بالحمّى..  حكايات ماقبل النوم التي كانت تسردها على مسامعه بلهجتها المحببة وصوتها العذب..  رائحة طعامها الذي كانت تطبخه على نار صبرها ومحبتها وتطيّبه بأنفاسها العطرة...
لم يكن عبد الله يعبأ بصافرات رجال المرور حين كان يتجاوز الإشارات.. كان همُّه الوحيد هو إنقاذ أمه التي بدأت وتيرة تنفسها تتعاظم بشكل ملحوظ... وتزداد معها سويةُ قلقه ويرتفع منسوب مخاوفه..  شعر عبد الله قبيل وصوله إلى حرم المشفى أن أمه تكاد تختنق لقلة وصول الأوكسجين إلى رئتيها... ضغط بعنفٍ على فرامل السيارة بطريقة جعلت كل من في المشفى يحتشد في الباحة..  ترك مقود السيارة وانقضّ على أمه لاصقا فمه بفمها ليصنع لها تنفّسا اصطناعيا غير آبه بإمكانية العدوى..  وراح يفرغ أوكسجين قلبه في رئتيها العليلتين.. بينما عبراته تبلل وجهها ...
شعر للحظة بأنه ينفخ في كيسٍ مثقوب... توقف قليلا لينظر إلى وجهها.. فلم يرَ سوى عينين شاخصتين ووجها خاليا من ملامح الحياة...
صرخ بأعلى صوته: أمييييي ...
لكن أمه كانت جامدة بلا حراك ... وساد صمتٌ ثقيلٌ في المكان تفسده أصوات كاميرات التصوير ووميضها ..التي وجهها الأطباء والموظفون ليوثّقوا هذا المشهد الإنساني الرائع وسط ذهول غير مسبوق..

ليست هناك تعليقات

مرحبا بكم في الموقع الإعلامي للمنتدى الثقافي الدولي شكرا لتواصلكم معنا ولمشاركتكم الفاعلة
Welcome to the media site of the International Cultural Forum. Thank you for contacting us and for your active participation